دراسة الحالة 2: التحقق من دليل محوري في واقعة إطلاق النار في أوتوا (#OttawaShooting)
يقول المثل الروسي القديم "للخوف عيون كبيرة تتخيل وجود ما ليس موجود".
هذه القصة عن العيون الكبيرة للخوف والأشياء غير الموجودة.
في الساعة 9:50 صباحا تقريبا من يوم 22 أكتوبر/ تشرين أول 2013 أطلق ميشيل زيهاف بيبو Michael Zehaf-Bibeau النار على جندي يحرس النصب التذكاري للحرب في أوتوا وقتله. في مشهد يعيد إلى الأذهان أفلام التشويق الهوليودية انطلق زيهاف بيبو في قاعات البرلمان حيث تم في النهاية إطلاق النار عليه وقتله.
قبل يومين قُتل جندي كندي عندما صدمته عمدا سيارة يقودها رجل كان قد سبق ولفت أنظار أجهزة الأمن الكندية. إطلاق النار المتبادل الذي تلى تلك الواقعة في بارليمنت هيل Parliament Hill أصاب الكنديين بالتوتر. هل هذا هجوم إرهابي؟ ما هو دافع المهاجم؟ هل تنظيم الدولة متورط في تلك الأحداث؟
وصلت التخمينات حدا كبيرا عندما تم نشر صورة للمهاجم على تويتر أُخذت في لحظة الاعتداء تدعي انتماءه إلى تنظيم الدولة. سريعا ما تم استخدام الصورة في حسابات تويتر أخرى، ثم استخدمها أخيرا الصحفيون الكنديون، ثم الجمهور الكندي، ونشرها حساب تنظيم الدولة ليرسم صورة خيالية تماما تربط بين المهاجم والتنظيم.
ولكن كل هذا التخمين كان، مع ذلك، مبنيا على إحالة إلى مصدر غير صحيح أساسا. إن قصة مصدر الصورة الفعلية هي مثال ملفت إلى ما أصبح أمرا معتادا في الصحافة الحديثة.
تم نشر الصورة أولا من قبل مستخدم مجهول ردا على تغريدة لشرطة أوتوا تم فيها طلب أي معلومات عن المعتدي. حدث ذلك قبل الساعة الثانية عصرا عندما عثر الصحفي المقيم بمونتريال ويليام ريموند William Reymon على الصورة والتقط صورة للشاشة )ريموند الذي كتب كثيرا حول هذا السبق لم يوفر رابط للتغريدة من شرطة أوتوا. ولكن الوقت والمضمون الذي يصفه يشير إلى أنها كانت هذه التغريدة(. الصورة والحساب الذي نشرها تم محوهما فورا تقريبا.
لإعطاء ريموند حقه فإنه قضى ساعتين كاملتين وفي حوزته هذه الصورة الاستثنائية، كي يتحقق منها قبل نشرها على حساب تويتر الخاص به @Breaking3zero عند الساعة 4:16 مساء.
العملية التي استغرقها ريموند في التحقق، والتي يصفها هنا بالتفاصيل، تتضمن مقارنة قسمات وجه، وملابس، وسلاح الرجل الذي يظهر في الصورة مع مشاهد كاميرا المراقبة، بالإضافة إلى مقارنتها مع تفاصيل ظهرت عندما تشارك شهود عيان ومسؤولين في تفاصيل الاعتداء.
بالإضافة إلى السلاح، كان هناك دليلان رئيسان هما: أن الرجل في الصورة يرتدي كوفية كما وصفها شهود، وأنه كان يستخدم مظلة لإخفاء سلاحه وهو يقترب من النصب التذكاري حسبما قالت التقارير.
هذا هو ما غرده ريموند:
وترجمة التغريدة: بعد ساعتين من التحقق، أكد مصدر لي أنه "يشبه مطلق الرصاص" تعامل مع الأمر بحرص.
ولم ينشر الحساب المتصل بتنظيم الدولة على تويتر (@V_IMS Islamic Media) الصورة إلا بعد تغريدة ريموند عند حوالي الساعة 4:45 مساء. وقد تم تعليق ومحو هذا الحساب أيضا.
كتب ريموند "بعد أن نشرتُ الصورةَ بعشرين دقيقة قام حساب باللغة الفرنسية يساند تنظيم الدولة بأخذ الصورة ثم نشرها... وبهذا بدأت بعض وسائل الإعلام في نشر الفكرة الخاطئة بأن التنظيم هو مصدر الصورة".
بعد دقائق قام حساب آخر على تويتر @ArmedResearch بنشر الصورة قائلا إن حساب #ISIS Media" نشر الصورة مدعيا أنها لميشيل زيهاف بيبو المتوفي والمشتبه به في #OttawaShooting إطلاق نار أوتوا في #Canda".
وبرغم الفشل في تأكيد ادعائه أو نسب الصورة إلى @Breaking3zero بشكل مناسب، تشبث الصحفيون الكنديون بادعاء @ArmedResearch ونقلوا في أخبارهم أن الصورة "تم تغريدها من حساب داعش"، بكل التبعات التي تلحق بمثل هذا التأكيد.
ولكن كما يقول المثل، فإن الحقائق أشياء عنيدة. فقد أظهرت البيانات التقنية من صفحة تويتر @V_IMS والتي اُلتقطت قبل تعليق الحساب
@V_IMS أظهرت أنه حصل على الصورة من @Breaking3zero. النص باللون الرمادي بالأسفل يظهر رابط المصدر الأصلي من
twitter.com/Breaking3zero.
ادعاء أن صورة زيهاف بيبو أتت أصلا من حساب التنظيم هو ادعاء مزيف تماما. حساب تنظيم الدولة الذي نشر الصورة حصل عليها بعد نشرها لأول مرة على تويتر بساعات.
وتظهر مراقبة SecDev المستقلة لحسابات التواصل الاجتماعي لتنظيم الدولة أن حسابات بارزة للتنظيم كانت تتفاعل مع الأحداث في أوتوا بنفس الطريقة التي كان يتفاعل بها سكان أوتوا وآخرون - نشر معلومات متناقضة وأحيانا غير صحيحة عن الهجوم. لا توجد إشارة في مواقع التواصل الاجتماعي أن التنظيم كان لديه معرفة سابقة بالهجوم، أو أنه مرتبط بأي شكل بزيهاف بيبو.
بل إنه لا توجد حتى الآن أدلة تشير إلى تورط التنظيم في هجوم أكتوبر في أوتوا. ولكن هناك صورة ملفتة تم التقاطها في لحظة استثنائية تشهد بقوة تكنولوجيا الهاتف المحمول والتواصل الاجتماعي القادرة على تغيير قواعد اللعبة.
هناك إغراء كبير جدا في أن نجد صلة بين الصور الواضحة مثل تلك الصورة وأسوأ مخاوفنا (بنسبها بتسرع لتنظيم الدولة). وتفادي هذا الإغراء هو أحد المسؤوليات الرئيسية للصحفيين في القرن الواحد والعشرين.