الفصل التّاسع: عرض المحتوى الذي ينتجه المُسْتَخْدِمون في الصحافة الاستقصائية
قبل عشر سنوات أطلق زلزال ضخم في المحيط الهندي موجات تسونامي مدمرة في كل أنحاء المنطقة. في البداية لم تتوفر صور للموجة، واستغرق الأمر يومين حتى بدأت أولى الصور في الظهور. وعندما ظهرت كانت أغلبها لقطات مهزوزة التقطها سياح يضغطون زر التشغيل على كاميراتهم المحمولة وهم يحاولون الهرب إلى مكان آمن. لم يتصور أي منهم أن فيلمه المنزلي الخاص عن إجازته العائلية سيصبح تسجيلا لشاهد عيان على مأساة مروعة.
اليوم، الوضع مختلف تمام الاختلاف، فخلال كل حدث إخباري تقريبا يستخدم المارة هواتفهم لإطلاع الآخرين في تحديثات نصية فورية على شبكات التواصل الاجتماعي عن آخر المستجدات، بالإضافة إلى التقاط ونشر الصور ومقاطع الفيديو على تويتر وفيسبوك وانستغرام ويوتيوب.
ولكن أخذنا لهذه التصرفات على أنها مسلمات لا يعني أننا توصلنا إلى وضع قواعد استخدام هذه المواد استخداما قانونيا، وأخلاقيا أو حتى لوجستيا. فالمنظمات لا تزال تعمل عبر أكثر الطرق ملاءمة لاستخدام هذا النوع من المحتوى. وهذا ينطبق على الجميع سواء كان الاستخدام لمصادر الأخبار، أو لعلامات تجارية، أو لمجموعات حقوق الإنسان أو للمعلمين.
هناك اختلافات مهمة بين المواد التي تم إرسالها بشكل مباشر إلى مؤسسة بعينها في مقابل المواد التي تم رفعها علنا على شبكات التواصل الاجتماعي. فأهم نقطة يجب تذكرها هي أنه عندما يرفع شخص ما صورة أو فيديو على شبكة تواصل اجتماعي فإن حقوق الملكية الفكرية تعود له. لذا فإن رغبت بتنزيل الصورة أو الفيديو لاستخدامهما في مكان آخر، عليك أولا أن تطلب إذنا بالاستخدام. إن كنت تنوي فقط نشر المادة بنقل الرابط الذي توفره جميع شبكات التواصل الاجتماعي فليس عليك أن تطلب إذنا قانونيا. مع ذلك، ومن ناحية أخلاقية، يفضل أن تتصل بالشخص الذي أنتج المحتوى وتخبره كيف وأين تنوي استخدامه.
طلب الإذن
يُفضل المحامي دائما أن يتم إجراء الاتفاق بشكل رسمي عبر عقد موقع، ولكن في حالة حدوث أخبار عاجلة فإن السعي للحصول على إذن عبر شبكات التواصل الاجتماعي نفسه أصبح أمرا معتادا. لهذه الطريقة فوائد عديدة، منها أنها توفر فرصة الحوار المباشر مع المستخدم الذي نشر المادة.
طرح الأسئلة الصحيحة في لحظة الاتصال سيساعدك في عملية التحقق. أهم الأسئلة هي ما إذا كان الشخص قد التقط تلك المواد بنفسه، خاصة وأن عدد الذين يرفعون موادا ملك لآخرين على قنواتهم الخاصة عدد مدهش. كثيرا ما "يعطون إذنا" باستخدامها مع أنهم لا يملكون هذا الحق. ستحتاج أيضا أن تسأل أسئلة أساسية بديهية عن مكان وجودهم جغرافيا، وما الذي يستطيعون مشاهدته أيضا من أحداث، وذلك للمساعدة في التأكد ممّا يدعون أنهم قد شاهدوه.
إذا كان الشخص قد شاهد للتو حدثا صادما، فربما لا يزال في موقف خطير. التأكد من أنه في أمان وقادر على الاستجابة هي خطوة أيضا مهمة. عند السعي للحصول على إذن، من المهم أن تتسم بأكبر قدر من الشفافية بشأن نواياك عند استخدام المواد المصورة. فعلى سبيل المثال، إن كنت تنوي أن تحصل على إذن وحقوق استخدام الفيديو عالميا، فيجب أن يتم تبيان ذلك بطريقة تضمن أن يفهم صاحب الفيديو ما الذي يعنيه ذلك.
هنا مثال عن كيفية فعل ذلك.
ولكن إن أردنا اتفاقا قانونيا محكما، فعلينا أن نرتب لشيء أكبر بالبريد الإلكتروني. إن كنت تسعى إلى إذن عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فلا يفوتك أن تلتقط صورة للمحادثة. هناك مَنْ سيعطي أحيانا إذنا بالاستخدام، ثم بعد مفاوضات من أجل عرض آخر أو صفقة حصرية مع مؤسسة أخرى، يعمدون لمسح أي محادثة تمت عبر شبكات التواصل الاجتماعي تظهر أنهم أعطوا إذنا لآخرين.
الدفع
لا توجد هناك معايير محددة للدفع. فبعض الناس يطلبون مالا مقابل المواد الخاصة بهم، وآخرون لا يطلبون. ومنهم من يكون سعيدا باستخدام وسائل الإعلام لصورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم طالما تمت الإشارة إليهم، وآخرون لا يريدون أن يتم ذكرهم.
ولهذا السبب يجب أن تسأل تلك الأسئلة عندما تسعى للحصول على إذن. يجب أن تفكر أيضا في تبعات استخدام المواد، على سبيل المثال يمكن أن يكون شخص ما التقط صورة ما وفي ذهنه أنه لن ينشرها إلا ضمن شبكته الصغيرة من الأصدقاء والأقارب، ولم يتوقع أن يجدها صحفي. ربما التقطها عندما كان في مكان لم يكن من المفترض أن يكون فيه أو أنه التقط صورة شيء غير قانوني ولا يريد التورط فيه. أو أنه ببساطة لا يريد لصورة رفعها من أجل أصدقائه أن ينتهي بها الأمر منشورة على موقع إخباري يتابعه الملايين.
هذا نموذج لرد من شخص رفع صورة على موقع إنستغرام خلال إطلاق النار في البرلمان الكندي في أكتوبر 2014.
أنا بنفسي التقطتُ الصورة. بما أني نشرت الصورة على شبكة الإنترنت، فإن القصد من نشرها أن يطلع عليها وأن ينشرها من أراد. أفضل ألا يتم تضمين اسمي في أي نشر لها. يمكنكم الإشارة إليّ بكتابة "كندي يهمه بلده".
حللت Eyewitness Media Hub المئات من المحادثات بين الصحفيين ورافعي المواد خلال فترة 18 شهرا في الأعوام 2013 و2014 و2015 كجزء من رصد وبحث مستمرين، ولم تكن ردود الأشخاص الذين أنتجوا المواد دائما كما توقعوها. هذه القطعة المنشورة بواسطة Eyewitness Hub الذي شاركت في تأسيسه، تعكس المحتوى الذي ظهر خلال هجوم باريس في بداية 2015 والأشخاص الذين وجدوا أنفسهم وموادهم فجأة في وسط التغطية الخبرية.
التنويه إلى المصدر
تجربتنا وتحليلنا يظهران كيف أن الأغلبية العظمى من الناس لا يريدون أن يتلقوا أموالا، وإنما يريدون فقط أن تنسب أعمالهم إليهم. لسنا هنا بمعرض القول ما إذا كان هذا صحيحا أم لا، وإنما التأكيد على مسألة الشفافية مع الجمهور. لا توجد معايير في هذا المجال عندما يتعلق الأمر بنسبة المواد لأصحابها، لأن كل شخص يرفع مادة يرغب بنسبتها إليه بطريقة مختلفة. وإذا كنت لن تدفع المال مقابل المواد، فأنت ملزمٌ قانونيا باتباع إرشاداتهم الخاصة.
فيما يخص الأخبار التلفزيونية، حيث لا مجال لوضع رابط المادة كما هو الحال على شبكات التواصل الاجتماعي أو مواقع الإنترنت، وبالتالي يجب التنويه إلى صاحب المادة على الشاشة. أفضل طريقة للإشارة إلى صاحب المادة تتم من خلال معلومتين هامتين: الأولى ذكر شبكة التواصل الاجتماعي التي تم نشر المادة عليها أولا، والثانية ذكر اسم صاحب المادة بالطريقة التي يفضلها. يمكن أن يكون ذلك اسمه الحقيقي أو اسم المستخدم username، هكذا: Twitter/C. Wardle أو Instagram/cward1e أو Youtube/Claire Wardle.
أما فيما يخص النشر الإلكتروني، فيجب نقل رابط المحتوى من المنصة التي تم نشره عبرها في الأصل سواء كانت Twitter أو Instagram أو Youtube مما يعني أن التنويه موجود كجزء من الرابط. إذا تم أخذ صورة الشاشة لصورة أو فيديو مصدره شبكة تواصل اجتماعي فيتم تطبيق نفس الطريقة. سيكون من المناسب وضع رابط باللون الأزرق للمنشور الأصلي في التعليق الموجود أسفل الصورة.
يجب أن تنتبه بأن المحتوى المنقول أو المنشور عبر رابط سيختفي من موقعك إن تم محوه من شبكة التواصل الاجتماعي بواسطة الرافع الأساسي (صاحب المحتوى). لذا حاول الاحتفاظ بتخزين الملف الأصلي، خاصة إن كنت تخطط لعرض المحتوى لمدة طويلة.
في مواقف معينة، من الضروري أن تستخدم تقديرك الشخصي للأمور. فإن كان الحدث ما زال مستمرا، فنشر المعلومات عن الشخص الذي أنتج المحتوى قد لا يكون أكثر الأفعال حكمة كمان نرى مع هذا الصحفي من BBC News.
صور ممتازة مستقاة من تويتر لمكان حادثة سوبرماركت باريس (نتحفظ الآن على هوية صاحب الصور).
التوصيف
الإجراء الأصوب هو أن يتم "توصيف" مَنْ التقط الصورة أو الفيديو. إذا أخذنا هذه الصورة لسيدة في عاصفة ثلجية في منطقة البقاع بلبنان، فمن المهم أن يعرف الجمهور من التقطها؛ هل هو موظف في مفوضية اللاجئين؟ هل هو صحفي حر؟ هل هو مواطن صحفي؟ هل هو لاجئ؟
في هذه الحالة، التقط الصورة لاجئ ولكن تم توزيعها عن طريق مفوضية اللاجئين UNHCR على المنظمات الإعلامية عبر حساب على موقع Flickr. عندما يلتقط شخص، لا علاقة له بغرفة الأخبار، صورة تستخدمها غرفة الأخبار يجب شرح ذلك للجمهور لأسباب تتعلق بالشفافية. توصيف هذا النوع من المواد تحت عنوان "لقطات هواة" أو شيء من هذا القبيل لا يوفر السياق الضروري.
التحقق
لا توجد معايير في هذا المجال عندما يتعلق الأمر بتصنيف شيء على أنه متحقق منه أم لا. لا توزع وكالة الأسوشييتد برس صورة أو فيديو إلا بعد أن يمر بحزمة إجراءات التحقق الخاصة بالمؤسسة. ورغم أن القنوات الإخبارية الأخرى تحاول ألا تمرر مقاطع غير محققة، إلا أنه من الصعوبة بمكان التأكد مائة بالمائة من صحة صورة أو فيديو ما إذا التقطها شخص ما لا علاقة له بغرفة الأخبار.
نتيجة لذلك، يمكن أن تعرض المؤسسات الإخبارية صورا أو مقاطع فيديو مع الإشارة الواضحة إلى أنه "لم يتسنّ التحقق من مصدر مستقل". وهذه مسألة إشكالية، لأن الحقيقة أن غرف الأخبار قد تكون أجرت العديد من اختبارات التحقق أو اعتمدت على وكالات متخصصة تقوم بها قبل نشر صورة أو فيديو ما، وبالتالي فإن استخدام عبارة "لم يتسنّ التحقق من مصدر مستقل" يتم على سبيل الاحتياط.
رغم أن بحثنا يحتاج لأن يستكشف وقع هذه العبارة (لم يتسنّ التحقق من مصدر مستقل) على الجمهور، إلا أن تكرار استخدامها سيقوض عملية التحقق التي يتم تنفيذها. الأسلوب الأفضل هو توصيف أي محتوى بالمعلومات التي يمكن التأكد منها سواء كانت تلك المعلومات مصدرا أو تاريخا أو مكانا. إن استطعت تأكيد معلومتين اثنتين من الثلاث، أضف هاتين المعلومتين إلى الصورة أو الفيديو. نحن نعيش في عصر يستطيع الجمهور فيه عادة أن يحصل على نفس المواد التي يحصل عليها الصحفي، ويتعرض الجمهور لنفس صور الأخبار العاجلة ومقاطع الفيديو في صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي. وبالتالي فإن أهم أدوار الصحفي هي توفير السياق الضروري بشأن المحتوى الذي يتم نشره أو إرساله للآخرين: اكشف الزيف، وزود المتلقي بمعلومات مهمة عن وقت، وتاريخ، ومكان الخبر بالإضافة إلى إظهار كيف يرتبط هذا المحتوى بمواد أخرى يتم تداولها.
أن تكون أخلاقيا
في النهاية، تذكر أنك عندما تتعامل مع مواد التقطها آخرون، يجب أن تعامل صاحب المادة باحترام، وعليك الاجتهاد للتأكد مما يتم ادعاؤه، وتحتاج لأن تكون على أكبر قدر من الشفافية مع جمهورك.
معظم الذين يرفعون صورا أو مقاطع فيديو اُلتقطت بكاميرا الهاتف هم شهود عيان على حدث خبري. هم ليسوا صحفيين يعملون بالقطعة. وأغلبهم لن يُعرّف بنفسه كمواطن صحفي. وكثير من هؤلاء ليس لديهم معرفة بعالم صناعة الأخبار، ولا يفهمون كلمات مثل "حصري"، أو "مباع لعدة وسائل إعلام في وقت واحد"، أو"توزيع".
إذا قام شخص ما بنشر مادة ما على شبكات التواصل الاجتماعي فهذ لا يعني أنه فكر في تبعات ظهور هذه المادة على قنوات الأخبار المحلية والعالمية، وبالتالي يتوجب على الصحفيين التحلي بمسؤولية استخدام المواد بشكل أخلاقي.
يجب أن تسعى للحصول على موافقة مبنية على معرفة وليس مجرد موافقة، بمعنى: هل يفهم من رفع المادة ما الذي يعطي موافقة بشأنه؟ وعند التنويه إلى صاحب المادة، يجب أن تتحدث معه بشأن الطريقة التي يرغب أن ينوه إليه بها. الردود التي نتلقاها في هذا الصدد لا تتوقف عن مفاجئتنا.