Logo Cover

الفصل الثالث: التحقق من المحتوى الذي يولّده المستخدمون

كلير واردل هي باحثة في مركز تو Tow Center بجامعة كولومبيا وتعمل في مشروع بحثي كبير يدور حول المحتويات التي يولّدها المستخدمون ونشرات الأخبار التلفزيونية. إضافة لذلك، فقد صمّمت كلير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في عام 2009 البرنامج التدريبي الخاص بالإعلام الاجتماعي، كما استمرّت في تدريب الصحفيين في جميع أنحاء العالم على جمع الأخبار الاجتماعية والتحقق منها. قضت كلير العامين الماضيين تعمل مع وكالة ستوريفُل. كما حصلت على درجة الدكتوراه في الاتصالات من كلية أننبرغ للاتصالات بجامعة بنسلفانيا. حسابها على تويتر @cward1e كما أنّ لها مدوّنتها الخاصة بها على clairewardle.com.

ترجمة: الدكتور خالد الشهاري

شهدت عملية جمع الأخبار في أقل من عقد من الزمن تحوّلاً كبيراً بفضل تطوّرين مهمّين.

التطوّر الأول هو تكنولوجيا الهاتف المحمول، فقد شهد صيف عام 2013 نقطة تحول مهمة. للمرّة الأولى، شكّلت الهواتف الذكية أكثر من نصف جميع الهواتف المحمولة الجديدة (أي 55% منها).

من المميزات الجوهرية للهاتف الذكي أنّه يحتوي على كاميرا عالية الجودة مع إمكانية تسجيل الفيديو، كما أنّه يسمح للمستخدم بالاتصال بشبكة الإنترنت بسهولة بهدف نشر الصور. ونتيجة لذلك، فقد تزايد عدد الأشخاص الذين يمتلكون في جيوبهم التكنولوجيا التي تمكّنهم من تسجيل الأحداث من حولهم بسرعة فائقة، وبنفس السرعة يمكنهم مشاركة ما سجلوه من مقاطع مباشرة مع كل من قد يهتمّ بمثل تلك الأحداث، بل ويمكنهم أيضا نشرها على نطاق أوسع عبر الشبكات الاجتماعية.

أمّا التطور الثاني في هذا المضمار فهو الشبكات الاجتماعية. عندما بدأ مركز المحتوى الذي يولده المستخدمون التابع لهيئة البي بي سي عمله في مطلع عام 2005م، كان يعتمد على أشخاص يرسلون المحتوى إلى عنوان بريد إلكتروني مركزي واحد. كان عدد مستخدمي الشبكة الاجتماعية فيسبوك في ذلك الوقت 5 ملايين مستخدم أو يزيد قليلاً، ولم يكن أكثر من مليار مستخدم كما هو الحال اليوم. لم يكن قد ظهر حينها موقع يوتيوب ولا شبكة تويتر. أمّا الآن ففي كل دقيقة تمرّ علينا يتمّ تحميل ما مجموعه 100 ساعة من التسجيلات على موقع يوتيوب، وإرسال 250,000 تغريدة على شبكة تويتر ونشر 2.4 مليون مشاركة على شبكة الفيسبوك.1 لقد حصل بالفعل تحوّل كبير في سلوك الجمهور.

بدلاً من تصوير فيلم عن شيء ما وإرساله إلى مؤسسة إخبارية عند الطلب، بإمكان أي شخص الآن تصوير ما يراه وتحميله على الفيسبوك أو يوتيوب أو تويتر. أظهرت الأبحاث أنّ عدداً محدوداً للغاية من الجمهور يمتلك ما يكفي من الوعي بما يدور في صناعة الأخبار حتى يقرّر ما إذا كانت الصور أو مقاطع الفيديو التي يلتقطها مهمّة بما فيه الكفاية لإرسالها إلى مؤسسة إخبارية أو أي مؤسسة أخرى دون أن يُطلب ذلك منه2. أوّل ما يخطر على بال الفرد هو تحميل المحتوى على الشبكة بهدف مشاركته مع أصدقائه وعائلته.

يلاحظ وعلى نحو متزايد تواجد "الصحفيين العرضيين" عند وقوع أي حدث في أي بقعة من العالم، حيث يتواجد شخص ما في المكان المناسب والوقت المناسب حاملاً بيده هاتفاً ذكياً. كتب أنتوني دي روسا – محرر الإعلام الاجتماعي لدى رويترز سابقاً ورئيس التحرير لدى سيركا حالياً – قائلاً: "إنّ أول ما يتبادر إلى ذهن من التقط الصورة أو المقطع ليس "ما إذا كنت بحاجة لمشاركة هذا مع شبكة أخبار تلفزيونية كبرى" لأنّه لا يهتمّ بشبكات الأخبار التلفزيونية التقليدية أو أنّه في الغالب لم يسمع بها، غير أنّه سمع عن شبكة الإنترنت وقرّر أنها المكان المناسب لمشاركة ما صوّر أو سجّل مع آخرين حول العالم".

وبالمثل، فإنّ الجمهور غالباً ما يميل إلى متابعة الأخبار العاجلة على الشبكات الاجتماعية، ممّا يعني أنّ المستجيبين الأوائل والعاملين في منظمات الطوارئ هم أنفسهم يستخدمون الشبكات الاجتماعية. ولكن من المؤسف حقاً أنّ مثل هذه الأحداث يسهل فيها الترويج لمعلومات كاذبة، سواءً حدث ذلك عمداً أو عن طريق الصدفة. وعليه، فينبغي على الصحفيين والمهنيين العاملين في المجالات الإنسانية أن يفترضوا في بداية الأمر عدم صحة المعلومة التي بين أيديهم. أمّا أثناء الطوارئ، فيصبح للتحقق دورٌ مهمٌ في عملية جمع الأخبار ونشر المعلومات عندما يتبيّن أنّ أرواح الآخرين قد تتأثّر بتلك المعلومات.

أهمية التحقق

إنّ قدرة أي شخص على تحميل محتوى ما، وعنونته أو وصفه بأنّه يتعلّق بحدث بعينه، من شأنه أن يصيب العديد من الصحفيين والمحررين – على وجه الخصوص – بالخوف من إمكانية تعرّضهم للخداع أو تعاملهم مع محتويات كاذبة.

بعض الناس يجتهدون لخداع مؤسسات الأخبار والجمهور عمداً وذلك عن طريق إنشاء مواقع وهمية على الإنترنت، أو إنشاء حسابات وهمية على تويتر، أو تحرير الصور أو مقاطع الفيديو. إنّ الأخطاء التي نشاهدها ليست متعمّدة في معظم الأحيان. ما يحدث هو أنّ الأشخاص الذين يحاولون إفادة الآخرين غالباً ما يجدون محتويات كانت قد نشرت في أحداث سابقة وتم عنونتها بشكل غير سليم فيقومون بمشاركتها مع الآخرين. وفيما يلي مثال على اعتذار رجل بعد تغريده بصورة أرسلتها له زوجته عبر البريد الإلكتروني. أخبرته في الرسالة أنّ الصورة تظهر إعصار تيفون أوساغي مُتقدِّماً نحو هونغ كونغ، غير أنّها في الحقيقة كانت صورة قديمة لحدث آخر.

إنّ قيام الناس بتنزيل محتوى ما من موقع يوتيوب وتحميله على حساباتهم – مدّعين أنه خاص بهم – من شأنه أن يسبّب مشاكل أخرى. ما يحدث هنا ليس من قبيل الخداع، بل هو نشر لمحتوى موجود مسبقاً، ويتعين علينا أن نبذل كل ما في وسعنا للعثور على مُحمِّله الأصلي.

تجلّت صعوبة العثور على المقاطع الأصلية بوضوح عندما أصدرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي قائمة تشغيل تتضمن 13 مقطع فيديو ظهرت في الأصل على موقع يوتيوب، والتي استخدمتها اللجنة من أجل إيجاد أدلة تتعلق بالهجوم الذي وقع بالأسلحة الكيميائية على غوطة دمشق الشرقية في عام 2013م. وقد تمّ الحصول على بعض هذه المقاطع من قناة سورية تبثّ على موقع يوتيوب، وقد عُرف عنها أنّها تقوم بتجميع مقاطع الفيديو من قنوات يوتيوب أخرى وتعيد بثّها على قناتها على يوتيوب بانتظام. وهذا يعني أنّ مقاطع الفيديو المنشورة ضمن قائمة التشغيل هذه ليست الأصلية بل هي في الحقيقة نسخ من الإصدار الأصلي. لقد تمكّن فيليم ماكماهون الذي يعمل في وكالة ستوريفُل من إيجاد النّسخ الأصلية لتلك المقاطع وذلك باستخدام تقنيات متنوعة للتحقق. دوّن فيليم تفاصيل عملية التحقق هذه هنا. يظهر جليّاً من هذه الحادثة أنّ هذه القضايا صارت تمثل لمجتمع الصحافة أكبر من مجرد قلق.

الفحوص التي تشملها عملية التحقق

التحقق هو من المهارات الأساسية وأصبح من الممكن إجراؤه من خلال أدوات مجانية متاحة على الإنترنت وأخرى صحفية قديمة الطراز. لا يمكن لأي تقنية في الوجود أن تحقق تلقائيا في أي محتوى يولّده المستخدمون لتصل إلى الدرجة الكاملة من اليقين. وكذلك فإنّه ليس بمقدور العين البشرية ولا التحقيقات التقليدية أن تصل بمفردها إلى اليقين الكامل. وعليه فلا بد من الجمع بين التقنيات الحديثة والوسائل التقليدية للوصول إلى أعلى درجات اليقين.

يتعين على الصحفي أو العامل في المجال الإنساني عند حصوله على أي معلومات أو محتويات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي أو الرسائل أن يفحص العناصر الأربعة التالية ويتأكد منها:

  1. الأصل: هل هذا هو الإصدار الأصلي للمحتوى؟
  2. المصدر: من قام بتحميل المحتوى إلى الإنترنت؟
  3. التاريخ: متى تم إنشاء المحتوى؟
  4. الموقع: أين تم إنشاء المحتوى؟

1. الأصل: تأكيد حقيقة المحتوى

إذا وجدت محتوى ما على وسيلة إعلام اجتماعي، فعليك القيام بعدة فحوص للتأكد من أن ما وجدته حقيقي.

فمثلاً في حال الحصول على تغريدة، لا يفوتك أنّ موقع lemmetweetthatforyou.comيمكنه بسهولة وبشكل مثير للدهشة تكوين تغريدة مزيفة ليتم مشاركتها في هيئة صورة.

يستخدم البعض طريقة أخرى لنشر معلومات وهمية على تويتر وذلك من خلال تقديم معلومة وهمية في هيئة إعادة تغريد. فعندما تنشر عبارة مثل "حقا؟ RT@joebiden'm أنا اعلن اعتزالي السياسة"، يبدو وكأنّك ببساطة تعيد نشر تغريدة أصلية.

كذلك فإنّ المزيِّفين يلجؤون في كثير من الأحيان إلى إضافة علامة التحقق الزرقاء الخاصة بتويتر إلى صورة الغلاف على حساب وهمي لجعله يبدو وكأنّه حساب حقيقي. للتأكد مما إذا كان الحساب قد تمّ التحقق من صحته فعلاً، ما عليك إلا التوقف لوهلة فوق العلامة الزرقاء، وستظهر لك عبارة "verified account" في النسخة الإنجليزية أو عبارة "حساب موثّق" في النسخة العربية. إذا لم تظهر تلك العبارة فإنّ الحساب لم يتم التحقق من صحته.

يوفّر موقع الفيسبوك أيضاّ برنامجاً مشابهاً للتحقق، وذلك باستخدام نفس العلامة الزرقاء للمشاهير والصحفيين والمسؤولين الحكوميين. يمكن أن تظهر علامات التحقق على صفحات الفيسبوك الجماهيرية وكذلك على الصفحات الشخصية. (وكما هو الحال مع تويتر، فإنّ الفيسبوك يدير برنامجه الخاص بالتحقق وهو الذي يقرر أي طلبات تحقق يستجيب لها). تظهر علامة التحقق على صفحات الفيسبوك، كما في صفحة يوسين بولت أدناه، بجانب اسم الشخص تحت صورة الغلاف.

أمّا في الصفحات الشخصية، فتظهر علامة التحقق على صورة الغلاف. تظهر هنا مثلا الصفحة الشخصية للسيدة ليز هيرون – رئيسة تحرير الإعلام الناشئ في صحيفة ذي وول ستريت جورنال:

ينبغي التنويه في هذا الصدد إلى أنّ بعض الأشخاص – وكما هو الحال مع تويتر – يعمدون إلى استخدام الفوتوشوب لتشكيل ما يشبه علامة التحقق الزرقاء ليضعها على صور الغلاف. لذلك يصبح من اللازم – وكما هو الحال مع تويتر أيضاً – تمرير مؤشر الفأرة فوق العلامة الزرقاء لتظهر عبارة "verified account" في النسخة الإنجليزية أو "صفحة تم التحقق منها" في النسخة العربية.

ولكن تذكر أنّ عملية التحقق – وكما هو الحال أيضاً مع تويتر – لا تزال تفتقر إلى الشفافية والوضوح، وبالتالي فلا يمكن الجزم إذا ما كانت صفحات الأشخاص الأقل شهرة التي لم يتم التحقق منها وهمية أو أنّ أصحابها لم يكونوا مشهورين بما فيه الكفاية ليتم التحقق من حساباتهم!

غير أنّه حتى مع تطبيق برامج التحقق الرسمية هذه، لا توجد وسيلة سريعة للتحقق من حقيقة حساب ما إلا بإجراء العديد من الفحوص المرهِقة على كافة التفاصيل المتوفرة على الصفحة الشخصية. وتشمل تلك الفحوص مراجعة المواقع المرتبطة بالصفحة، وموقع الصفحة، وأيّ صور ومقاطع فيديو سابقة، وكذلك التحديثات السابقة للحالة وأيّ تغريدات منشورة على الصفحة. يتعيّن الإجابة على أسئلة عديدة من قبيل من هم أصدقاء صاحب الصفحة؟ ومن يتابع؟ ومن يتابعه؟ وهل هو مضاف إلى قوائم أي من الأشخاص الآخرين؟

إذا كنت تبحث في محتوى غني بالتفاصيل – كصورة أو مقطع فيديو – فأول سؤال ينبغي أن يتبادر إلى ذهنك هو ما إذا كان هذا المحتوى هو الإصدار الأصلي للصورة أو الفيديو. يمكنك معرفة ما إذا كان هذا المحتوى قد نشر على الإنترنت مسبقا باستخدام أدوات عديدة للبحث العكسي عن الصور مثل TinEye أو Google Images3. (راجع الفصل الرابع من هذا الكتاب لمعرفة المزيد من التفاصيل حول استخدام هذه الأدوات).

في حين أنّه من النادر إنتاج الخدع بصورة متعمدة، إلا أّنّ ذلك يحدث أحياناً. ظهرت في السنوات الأخيرة مقاطع فيديو مزيّفة لكنّها غير مؤذية نسبيا من إنتاج شركات العلاقات العامة التي تبحث عن الشهرة، وطلاب يعملون على واجب لنهاية الفصل الدراسي. ظهرت أيضاً محاولات متعمدة لإنتاج محتويات كاذبة، وبخاصة في سوريا ومصر، حيث يمكن تشويه سمعة "العدو" عن طريق محتويات يبدو عليها أنّها ذائعة الصيت ويتم مشاركتها عبر قنوات ووسائل الإعلام الاجتماعي. ومن بين تقنيات الخداع تلك إنتاج موقع زائف على الإنترنت، بحيث يبدو من مظهره مشابهاً تماماً لموقع حقيقي ويدّعي مسؤوليته عن عملية هجوم بالقنابل، أو أن يقوم بإخراج حادث شنيع وإلقاء اللوم على الجانب الآخر. من السّهل نسبياً التلاعب بالمحتويات في أيامنا هذه، وسواءً كنت أمام نانسي بيلوسي وهي تحاول إنتاج صورة لجميع النساء العضوات في الكونجرس ولو بإضافة بعضهن إلى الصورة لاحقاً، أو أمام مجموعة من النشطاء السوريين يتبادلون مقطع فيديو لرجل يظهر وهو يُدفن حيّاً، فيتعيّن عليك كصحفي أو عامل مهني في المجال الإنساني أن تبدأ بافتراض أنّ مثل هذا المحتوى الذي يولده المستخدمون زائف. (راجع الفصل الخامس من هذا الكتاب لمعرفة المزيد من التفاصيل عن كيفية التحقق من مقاطع الفيديو.)

2. تأكيد المصدر

إنّ الهدف النهائي من التحقق من المحتوى الذي يولّده المستخدمون هو تحديد هوية المحمِّل الأصلي من أجل التواصل معه.

يتمّ التواصل مع المحمِّل الأصلي للإجابة على الأسئلة المحورية التي تتضمن معرفة أين كان الشخص يقف عندما التقط المشاهد، وما الذي كان بإمكانه رؤيته عند التقاطها، وما هو نوع الكاميرا التي استخدمها لتسجيل تلك المشاهد. (تشكّل الإجابات على هذه الأسئلة البيانات اللازمة للإجابة على اختبار ستيف بتري الأساسي "كيف تعرف ذلك؟" والمبيّن في الفصل السابق.)

إذا حاول شخص ما تمرير معلومات كاذبة، إما عمداً أو بغير عمد، وتم طرح أسئلة مباشرة عليه فغالباً ما سيقرّ بأنّه في الواقع لم يقم بتصوير تلك المشاهد بنفسه. إضافة إلى ذلك، من الممكن مقارنة الإجابات على بعض هذه الأسئلة بمعلومات أخرى متوفرة عن طريق فحص بيانات EXIF في صورة ما، أو مقارنة مقطع فيديو تم تسجيله في موقع معين مع جوجل ستريت فيو، وهذا ما سنبيّنه بالتفصيل في فصول لاحقة.

ولكن يتعيّن عليك أولاً أن تجد الشخص المسؤول عن المحتوى. قد يظهر البحث في تاريخ مُحمِّل المحتوى وكأنّه تحقيق شرطة من الطراز القديم، وقد يجعلك تشعر أيضاً وكأنّك تقوم بدور المطارِد لا الصحفي أو الباحث.

يسرد بعض الأشخاص معلومات كثيرة على صفحاتهم الاجتماعية، وقد توفّر أسماؤهم الحقيقية (وخاصة غير الشائعة منها) ثروة هائلة من المعلومات. إنّ الناس يقضون كثيراً من أوقاتهم على الشبكات الاجتماعية المختلفة، ولذلك فهم غالباً ما يجهلون كيف أنّ الجمع بين أدلّة مختلفة من مواقع مختلفة قد يؤدي إلى تكوين ملفات غنية بالمعلومات عنهم. من شأن حساب على موقع يوتيوب مع قليل من المعلومات المدرجة التي تتضمن عنوانا لموقع على الإنترنت أن يقود صحفياً إلى عنوان الشخص، وبريده الإلكتروني، ورقم هاتفه الشخصي، وذلك باستخدام موقع who.is.4

3. تأكيد تاريخ الحدث

قد يكون التحقق من تاريخ الحدث واحداً من أكثر العناصر تحدّياً في عمليّة التحقق من محتوى أي مقطع فيديو. يدرك بعض النشطاء تلك الحقيقة ولذلك فهم يقومون عند مشاركة أي صور أو مشاهد لديهم بإظهار صحيفة صادرة في ذلك اليوم مع حرصهم على أن يكون تاريخ صدورها ظاهراً عليها بوضوح. على العموم، ليس من المؤكّد أن تنجح هذه الطريقة دائماً، لكن إذا كان مُحمِّل المحتوى معروفاً وموثوقاً به لدى وكالات الأنباء أو مؤسسات العمل الإنساني فعندها ستشكل تلك المعلومات إضافة مفيدة لعملية التحقق.

تذكّر أنّ يوتيوب يؤرّخ الفيديوهات المنشورة عليه باستخدام توقيت المحيط الهادئ، وبالتالي فقد يظهر أحياناً وكأنّ الفيديو قد تم تحميله قبل وقوع الحدث أصلاً.

هناك طريقة أخرى للمساعدة في تأكيد التأريخ وذلك باستخدام المعلومات المتوفرة عن الطقس. ولفرام ألفا هو محرك يستند إلى المعرفة الحسابية ويسمح لك – من بين أمور أخرى – بالتحقق من حالة الطقس التي صاحبت يوماً محدداً بعينه. (ببساطة ما عليك إلا أن تكتب عبارة مثل " What was the weather in Caracas on September 24, 2013" والتي تعني بالعربية "كيف كانت حالة الطقس في كاراكاس في 24 سبتمبر 2013 " فتحصل على الإجابة فوراً.) ويمكن الجمع بين هذه المعلومة وبين التغريدات والبيانات التي يمكن الحصول عليها من مراكز الأرصاد الجوية المحلية، إضافة إلى أي محتويات تم تحميلها على نفس الموقع وفي نفس اليوم، للوصول إلى صورة أوضح عن حالة الطقس المتعلقة بالمحتوى الخاضع لعملية التحقق.

4. تأكيد الموقع

هناك نسبة صغيرة فقط من المحتويات يتم تحديد مواقعها الجغرافية تلقائياً، ولكنّ أنظمة رسم الخرائط – مثل Maps Google وGoogle Earth وWikimapia – تسمح لك بوضع نفسك في الموقع الذي كان من المفترض أن تكون الكاميرا فيه. ينبغي أن يكون هذا الفحص من أول الفحوص التي يتعيّن إجراؤها في سبيل التحقق من مقاطع الفيديو والصور، وقد لا تصدّق عيناك عندما تشاهد ما يمكن أن يكون موجوداً في موقع الكاميرا.5 على كل حال، فإنّ تحديد الموقع الجغرافي دائماً ما يمثّل تحدّيا أكبر عندما يصبح التصوير غير مجدٍ نتيجة التعرض للقصف أو التفجير في سوريا مثلاً، أو كمثال آخر عند تصوير لونغ آيلاند بعد إعصار ساندي.

النشطاء الذين يدركون طبيعة التحديات التي تواجه عملية التحقق غالباً ما يلجؤون قبل تصوير أي مشهد أو بعد تصويره إلى توسيع مساحة المشهد الذي يتم تصويره إلى الأعلى بهدف التعرّف على أيّ بناية يُتوقع وجودها على خريطة ما، سواء كانت تلك البناية برجاً طويلاً، أو مئذنة مسجد أو كاتدرائية، أو مَعلَماً ما. إنّ طلب مؤسسات الأخبار من الجماعات الناشطة القيام بذلك يُعدّ من الأسباب التي تجعلهم يقومون بذلك الإجراء6، وكذلك فإنّ النشطاء أنفسهم يتبادل النصائح بشأن أفضل الممارسات عند تحميل أي محتوى يولّده المستخدمون.

التحقق عملية لها إجراءاتها

من المؤسف أّنّ الناس غالباً ما ينظرون إلى عملية التحقق على أنّها مهمّة بسيطة ومباشرة (إجابة نعم أم لا) وأنّه يمكن الحكم عليها ببساطة بقولنا أنه تم التحقق من شيء ما أو لم يتم.

لكن في الممارسة العملية، وكما قد سبق توضيحه سابقاً وسيتم توضيحه لاحقاً، فإنّ التحقق عبارة عن عملية لها إجراءاتها. ومن النادر نسبيا أن توفّر جميع تلك الفحوص إجابات واضحة لتساؤلاتنا. وبالتالي، فإنّ عملية التحقق هي عبارة عن قرار تحريري يتم اتخاذه حول ما إذا كنّا سنستخدم محتوى ولّده شاهد عيان أم لا.

أجرت دراستان أكاديميتان مؤخراً تحليلاً لمحتوى تم إنتاجه على قناتي بي بي سي العربية والجزيرة العربية. وجدتا أنّه بالرغم من أنّ الفحوص التي تُجرى لغرض التحقق من المحتوى يقوم بإجرائها هيئة التحرير في القناة، وأنّها تعتبر ضروريّة للغاية، إلا أنّ نتائج تلك الفحوص نادراً ما تُتاح للجمهور.

خلصت جولييت هاركين في الدراسة التي أجرتها في عام 2012م إلى أنّه "لم تذكر أيّ من قناتي بي بي سي العربية وقناة الجزيرة العربية بشكل صريح في أيّ من البرامج أو حزم الفيديو التي تم تقييمها إذا ما تمّ التحقق من المصادر أو إذا ما كانت موثوقاً بها. لقد خلت جميع المحتويات التي قيّمتها الدراسة من العبارة التوضيحية الشائعة ’لم يتسنّ لنا التحقق من مصدر هذه الصور والمشاهد‘."[^7]

[^7]: راجع الصفحة 31 من دراسة هاركين.

ظهرت مؤخراً تحركات تهدف إلى زيادة مستوى الشفافية في التعامل مع الجمهور فيما يتعلق بالفحوص التي يجريها الصحفيون بهدف التحقق من المحتوى عندما تستخدم مؤسسة إخبارية محتوى يولّده المستخدمون. في الواقع، وكالة أسوشييتد برس وهيئة البي بي سي تعملان على أن تكون إجراءاتهما الخاصة بالتحقق من المحتوى أكثر وضوحاً. ذكرت هيئة البي بي سي في آب/أغسطس عام 2013م أنّها منذ إجراء دراسة شاملة حول استخدام المحتوى الذي يولّده المستخدمون خلال فترة الربيع العربي، "تبنّت صيغة جديدة لجميع الصور والمشاهد التي يولّدها المستخدمون والتي لم يكن بالإمكان التحقق منها بصورة مستقلة،" بحيث يتمكن جمهورها من معرفة ما تعرفه الهيئة عن المحتوى الذي يشاهدونه.

من المرجّح أنه في غضون السنوات القليلة القادمة ستتشكل قواعد جديدة للتحقق من المحتوى، بحيث يتوقع الجمهور أن يتم إخباره بما هو معروف وما هو غير معروف عن أي محتوى يولّده المستخدمون ويكون قد تمّ الحصول عليه من وسيلة إعلام اجتماعي. سيكون من اللازم توفير هذا المستوى من الشفافية والمساءلة عندما يكون الجمهور قادراً على رؤية نفس الصور والمشاهد التي تراها مؤسسات الأنباء وآخرون يجمعون المواد من وسط الزحام.


  1. هذه الإحصائيات تتغير باستمرار، ولكن هذه أحدث محاولة لقياس النشاط على الشبكات الاجتماعية الأكثر شعبية http://blog.qmee.com/qmee-online-in-60-seconds/

  2. http://www.bbc.co.uk/blogs/knowledgeexchange/cardiffone.pdf

  3. ينبغي على أي صحفي أن يتحقق دائماً من أي محتوى باستخدام كلا الأداتين في نفس الوقت، ففي بعض الأحيان يمكن أن تظهر النتائج على إحداهما ولا تظهر على الأخرى.

  4. راجع هاتين المدونتين اللتين كتبهما ملاخي براون – محرّر قسم الأخبار في وكالة ستوريفُل – والتي يوضّح فيهما كيف تمكّن من تعقب المُحمِّلين باستخدام المعلومات المتوفرة على الشبكة الاجتماعية: http://blog.storyful.com/2012/10/09/find-that-fireball-when-journalist-turns-stalker/ وhttp://blog.storyful.com/2013/04/16/finding-facts-in-the-heat-of-the-moment/

  5. راجع هذه المقالة عن تحديد الموقع الجغرافي لتفجير دبابة في سوريا: http://blog.storyful.com/2013/03/13/the-changing-nature-of-conflict-and-technology/

  6. راجع دراسة هاركين



Creative Commons License
This work is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.